-->

السبت، 20 أغسطس 2016

تعرف على المسجد الأقصى .. (الحلقة الرابعة)



فضائل المسجد الأقصى المبارك:

جعلت البركة في المسجد الأقصى وحوله، فهو أصل البركة ومنبعها وهو مركز دائرة البركة. ومعظم العلماء رأوا أن هذه البركة تشمل الشام كاملة. على تفاضل بطبيعة الحال بين الأقرب إلى المسجد الأقصى والأبعد. وفي هذا بحث واسع يسمى بنظرية البركة في مقرر دراسات بيت المقدس.
فقد كان بشر الحافي يقول: "ما بقي عندي من لذات الدنيا إلا أن أستلقي على جنبي تحت السماء بجامع بيت المقدس، وسئل مرة: لما يفرح الصالحون ببيت المقدس؟ فقال: لأنها تذهب الهم ولا تشتغل النفس بها
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى.
إن المسجد الأقصى من ضمن أقدس المساجد على وجه الأرض، التي أمرنا بتكبد عناء السفر للصلاة فيها.
فعلاقتنا بالكعبة ليست الحج فقط، بل إن الصلاة في المسجد الحرام ليست كأي صلاة، وكذلك الصلاة في المسجد الأقصى المبارك.
عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أهل بحجة أو بعمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة
فأهل بيت القدس خصصوا بهذا الفضل عن غيرهم من المسلمين، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم، بعد فتح بيت المقدس، يسافرون الى الأقصى ثم يحجون انطلاقا منه.
وفي الحديث أن سليمان عليه السلام لما جدد بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثا، وقد أوتي اثنتين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن نرجو أن تكون له الثالثة. وهذه الأدعية الثلاثة كانت أن يعطيه الله حكما يصادف حكمه، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وأيما رجل أتى بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه خرج منه كيوم ولدته أمه.
فلا نعلم هل استجاب الله له أم لا، ولكن رجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يبث في النقوس أملا...ربما كل من صلى في المسجد الأقصى يخرج منه وذنوبه قد غفرت كلها.
عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فلسطين على حق، فلا مجال للاختلاف ولا لبث الفتنة تجاههم. كما أخبر أن منطقة بيت المقدس ستظل منطقة صراع بين الديانات وأن أهل الحق هم المسلمون الثابتون عليه إلى يومنا هذا. ونأمل من الله أن يكون هذا آخر احتلال وأن يرزقنا شرف التحرير.
عن ذي الأصابع أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابتلينا بالبقاء بعدك أين تأمرنا، فقال: عليك ببيت المقدس، فلعله أن ينشأ لك ذرية يغدون الى ذلك المسجد ويروحون.
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي رضي الله عنه، أن بيت المقدس سوف يتحرر بعده –ضمنيا- وأنه أفضل مكان يستقر فيه الصحابة رضوان الله عليهم.
أما عن فضل الصلاة في المسجد الأقصى:
ففي الحديث: الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة
250 صلاة : الحديث -- صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات في بيت المقدس. 
 100 صلاة :والصلاة بمكة خير من ألف صلاة ببيت المقدس.
واختلاف مقدار الصلاة فيه ليس تناقضا ولا سهوا حاشا لله، لكنه يرجع إلى هيئة الأقصى وحاله. فمن يتكبد عناء الصلاة فيه وهو محاصر، ليس كمن يصلي فيه وهو محتل، ولا كمن يصلي فيه بتطبيع مع بني صهيون، ولا كمن يصلي فيه وهو محرر.

لماذا لم يفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس

كثيرا ما نجد التحجج على عدم الاهتمام بالقضية، قول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتجه بفتوحاته نحو بيت المقدس وهو محتل في عصره.
إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم ينس الأرض المباركة أبدا، بل وجه إليها الأنظار وشق طريقه إليها ومات عليها صلى الله عليه وسلم.
بدأ الإسلام بالدعوة الى التوحيد، فكانت الآيات المكية كلها عبارة عن تثبيت للعقيدة وأخرى للقصة. لتأتي الأحكام بعد الهجرة، في السور المدنية. ففي بداية الإسلام، ربط الإسلام قلوب الصحابة وعامة المسلمين بالأرض المبارك عن طريق القصة، فحكى عن الأنبياء والرسل الذين عاشوا هناك، وعن أحداث متميزة ومعجزات، دفعتهم إلى التعلق بها، فكل يتخيلها وكل يتمنى رؤية أرض الأنبياء وكل يصورها في عقله يحاول تنسيقها من خلال النص.
وهذا ما دفع الصحابة يسألون أكثر عن منطقة بيت المقدس، فمنهم من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارتها فمنعه السفر إليها وهي محتلة، ومنهم من سأله كيف يصلي فيه وهو لا يستطيع فأفتاه أن يهدي إليه، ومنهم من سأله عن بناء المسجد الأقصى...وهكذا، يسألون شوقا وفضولا بعد ارتباطهم بذاك المكان من خلال القصة.
كان هذا أسلوب الإسلام الأول في الإعداد إلى فتح بيت المقدس، فأول ما تحقق هو ربط القلوب بأرض فلسطين، وتوجيه كل الحب والاهتمام إليها.
ودائما قبل الهجرة، انتقل الإسلام الى المرحلة الثانية من الاعداد، بتوجيه الأجساد وتوحيدها عن طريق رحلة الاسراء والمعراج، عند فرض الصلاة، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف لهم المسجد الأقصى وأسواره ويحكي لهم رحلة الاسراء والمعراج، وتنطلق المخيلات ترسم ذاك المسجد الأسير وتتمنى لقياه. ويجمع الله القلوب 5 مرات في اليوم تتجه بأجسادها نحو بيت المقدس، الذي لم تكن لهم صورة عنه آنذاك، فقد كانوا يتوجهون نحو مجهول محبوب يتمنون رؤيته ولم يجدوا له سبيل.
أما بعد الهجرة، وبعد تحويل القبلة، وتوسيع الدولة الإسلامية، بدأت فتوحات رسول الله صلى الله عليه وسلم تتجه نحو بيت المقدس، وأولها غزوة مؤتة، وآخرها غزوة تبوك، أخبر فيها عوف بن مالك في حديث طويل يقول: اعدد ستا بين يدي الساعة، موتي ثم فتح بيت المقدس...الى اخر الحديث
وكأنه يخبره، إنني لن أفتح بيت المقدس وهذه الفتوحات أماننة في رقابكم تسيرون بها إلى الأرض المباركة بعد موتي
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أن مرضه الذي مات فيه قد أصابه بعد عودته من غزوة تبوك، وكان يجهز جيش أسامة المتجه نحو الشام، فكان يوصيهم ويقول: أنفذوا بعث أسامة
تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسرع بإنفاذ جيش أسامة لقتح بيت المقدس كما وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن حادثة الردة وحروبها أدت إلى عودة الجيوش من الشام وعدم اكتمال الفتح.
وما إن انتهت حروب الردة واستقر الحال حتى أرسل أبو بكر الصديق الجيش مرة ثانية لفتح الأرض المقدسة، ومات قبل فتحها رضي الله عنه وأرضاه.
وتولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعده، فولى أبو عبيدة بن الجراح قيادة جيش التحرير وشاء الله أن تفتح بيت المقدس على يديه.
حاصر جيش أبي عبيدة بيت المقدس، ولم يهاجموها. وأرسل القائد كتابا يقول فيه:
(  بسم الله الرحمن الرحيم . من أبي عبيدة بن الجراح إلى بطارقة أهل إيلياءوسكانها . سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله وبالرسول . أما بعد : فإنا ندعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور . فإن شهدتم بذلك ، حرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم ، وكنتم لنا إخواناً . وإن أبيتم ، فأقروا لنا بأداء الجزية عن يد وأنتم صاغرون . وإن أنتم أبيتم ، سرت إليكم بقوم هم أشد حباً للموت منكم لشرب الخمرة وأكل لحم الخنزير . ثم لا أرجع عنكم إن شاء الله أبداً ، حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم .)
ما إن وصل الكتاب إلى نصارى القدس حتى دب الرعب فيهم، لكنهم ثبتوا على الحصار إلى فصل الشتاء أملا منهم أن ينسحب المسلمون. لكنهم في آخر المطاف أرسلوا إليهم يسلمونهم المدينة، على شرط أن يأتي الخليفة بنفسه لتسلم مفاتيح بيت المقدس.
وفعلا استدعى أبو عبيدة عمر بن الخطاب خليفة المسلمين آنذاك، ودخل القدس لتسلم مفاتيح المسجد الأقصى المبارك، فهناك رواية تقول أنه دخل من باب الخليل، وأخرى تقول أنه دخل من باب العمود.
على أي،
ما إن وصل عمر بن الخطاب إلى الأقصى المبارك حتى كبر فرحا وقال: الله أكبر، هذا هو المسجد الذي وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبنى عمر بن الخطاب أول مصلى مغطى داخل المسجد الأقصى في منطقته الجنوبية وهو الجامع القبلي حاليا.
طلب أهل إيلياء من عمر بن الخطاب كتابا يعطيهم أمانا في أنفسهم فكتب العهدة العمرية المعروفة والمحفوظة إلى يومنا هذا وهي كالتالي:
"(بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين عمر، أهل إيليا من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم ومقيمها وبريئها وسائر ملتها، إنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حدها ولا من صلبانهم، ولا شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيليا أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن -يقصد مدن فلسطين-، على أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم، ويخلي بيعتهم وصليبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وصليبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على إيليا من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أرضه، فإنه لا يؤخذ منه شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليه من الجزية
شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان. كتب وحضر سنة خمس عشرة)
إلا أن في نص هذه العهدة نظر إذ أنه من المعروف أن العمل بالتأريخ الهجري بدأ منذ 16ه، كما أن أدلة أخرى تاريخية تؤكد على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يخرج اليهود من بيت المقدس، وهناك من يقول أن هناك عهدة أخرى مكتوبة خاصة لليهود.
والله أعلم في صحة هذا النص.
وهناك موقف رائع جدا ذكر في يوم فتح المسجد الأقصى المبارك، وهو دعوة المسلمين بلال بن رباح للأذان، إذ أنه امتنع عن الأذان لغير رسول الله، فلم يسمع صوت أذانه منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فرفض، وقيل له، "أذن فإنه يوم يسعد رسول الله"
فأذن بلال، واختنق صوته بالبكاء عندما وصل أشهد أن محمدا رسول الله
حنينا إلى رسول الله، وفرحة بتحقيق حلمه ومبتغاه
ولم يتمكن من إتمام الأذان من شدة تأثره رضوان الله عليه
وبكى المسلمون وكل من سمع أذان بلال، شوقا إلى رسول الله وفرحة بالفتح الموعود
إذن حلقتنا اليوم كانت بخصوص فضائل المسجد الأقصى المبارك وما حوله من أدلة الكتاب والسنة
وتحدثنا مطولا عن القتح العمري وعن خطة التحرير
فمن لم يستطع الدفاع عنه في الميدان والوقوف في ساحات القتال.
كفاه الدفاع عنه بالكلمة، أن يستخدمك الله لتتحدث عن المسجد الأقصى أينما حللت وارتحلت، وأن تربط القلوب بتلك البقعة الطاهرة، وتصرف الأنظار إليها، وتحبب الناس فيها، وتقنعهم بخدمتها، وتغير في نفوسهم شيئا إليها. فإنه والله لشرف عظيم في زمان استبيح فيه مسجدنا وأصبنا في ديننا.
فالحمد لله الذي جمعنا على هذا الهدف العظيم وهذا الشرف النبيل
وجزاكن الله خيرا على حسن الاستماع
تجدن ان شاء الله رابط تحميل الحلقة وسابقاتها على مجموعتنا في الفايسبوك، كما نكتب تقرير كل حلقة لعموم الاستفادة
في الحلقة القادمة ان شاء الله نتحدث عن العصر الأموي الذي حكم بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ثم بعدها الدولة المملوكية ومنها نتحدث عن قبة الصخرة وكيف أصبحت تمثل المسجد الأقصى كاملا ولم لا نفصل في بعض المعالم ان شاء الله تعالى
دمتن بخير

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إلاه إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
تعليقات فيسبوك
0 تعليقات بلوجر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتصل بنا

الإسم الكريم البريد الإلكتروني مهم الرسالة مهم
كافة الحقوق محفوظةلـ وَهَلْ أَنْسَاكَ يا قُدُسُ 2016
تصميم: حميد بناصر